سيلاك أمريكا اللاتينية: 600 مليوناً مقابل الولايات المتحدة

January 15th 2012 | كتبها

تقرير لوبوف لولكو من الموقع الإنكليزي لجريدة “البرافدا” الروسية

 

تقديم وترجمة: د. إبراهيم علوش

 

العرب اليوم 15/1/2012

 

كم ينزعج الأمريكيون اللاتينيون عندما يسمعوننا نسمي الولايات المتحدة أمريكا، وكأن القارة الجديدة برمتها تقتصر على بلد واحد هو الولايات المتحدة الأمريكية.  وهي تسمية تستفز الجيران الجنوبيون للولايات المتحدة بالأخص، لأنهم تشطبهم من حيز الوجود، محولةً إياهم بكلمة واحدة إلى ملكية حصرية للولايات المتحدة التي صادرت، بمثل تلك التسمية، اسم كل القارة (وجغرافيتها؟) لنفسها.

 

الأصدقاء الأمريكيون اللاتينيون ما فتئوا يذكروننا بأن الولايات المتحدة شيء، وأمريكا شيء أخر أكبر بكثير، وعليه فإن مصطلحاتٍ شائعةً مثل “كراهية أمريكا” أو “نمط الحياة الأمريكي” أو “السياسة الأمريكية” أو “النفوذ الأمريكي” الخ… تمثل موقفاً سياسياً، إلحاقياً بالقسر، وجاهلاً في أحسن الأحوال.  تخيلوا مثلاً لو أن السودان سمت نفسها أفريقيا، أو سمت الصين نفسها آسيا، أو سمت ألمانيا نفسها أوروبا، كيف كان سيفهم ذلك ويهاجَم! 

 

التقرير أدناه يتناول مشروع تأسيس مجموعة “سيلاك” من كل دول القارة الأمريكية ما عدا الولايات المتحدة وكندا.  وهو مشروع تكامل قاري/جنوبي ستكون له – لو قيض له النجاح – آثاره بعيدة المدى بالنسبة لمحاصرة نفوذ الولايات المتحدة في القارة الأمريكية، وبالنسبة لتغيير ميزان القوى العالمي والسعي لتأسيس عالم متعدد الأقطاب (فهو مشروع مدعوم من الصين حسب التقرير).  وهو ليس مشروعاً بلا سوابق وحدوية كانت قد امتدت أعواماً طوال، كما سنرى من التقرير أدناه، بل هو تتويجٌ لتلك الجهود، ولعله يفلح على الأقل في تصحيح بعض مصطلحاتنا العربية، وفي فصل المقال فيما بين الولايات المتحدة وأمريكا من ضعف اتصال.

 

نص ترجمة التقرير:  اجتمع في كراكاس، فنزويلا، في كانون الأول المنصرم، قادة ثلاثة وثلاثين بلداً أمريكياً يقع إلى جنوب حدود الولايات المتحدة.  وقد وقّع أولئك القادة على اتفاق لتأسيس “مجموعة الدول الكاريبية والأمريكية اللاتينية” (سيلاك).

 

لذلك، فإن مجموعة ريو (مجموعة إعلان ريو دي جانيرو في 1986، التي باتت تضم 27 دولة كاريبية وأمريكية لاتينية مع مرور السنوات – المترجم)، كما القمة الكاريبية والأمريكية اللاتينية، لن تجتمعا بعد الآن.  أما المنظمة الجديدة (سيلاك) فتمثل بلداناً يبلغ تعدادها السكاني 600 مليوناً، وتمتلك أكبر احتياطي للنفط والغاز والماء في العالم.  ويمكن أن تلعب “سيلاك” دورها في النهاية كأحد مراكز عالم متعدد الأقطاب.

 

ولسوف تتعامل المنظمة الجديدة مع تطوير التكامل الاقتصادي بين أعضائها والوصول إلى إجماع حول كل المسائل الإقليمية والعالمية.  أما بالنسبة للأيديولوجيا، فإن المنظمة تتخذ موقفاً مستقلاً.  فهي لا ترى في مستقبلها روابط مع “الشمال” الأنكلو-ساكسوني، بل ترنو إلى التعاون مع “الجنوب” – الصين، أولاً وقبل كل شيء.  فالصين دعمت تأسيس مجموعة سيلاك.

 

وإنه لمن المثير للاهتمام أن فكرة مجموعة ال33 ظهرت بشكل فوري تقريباً بعد تحقيق تقدم معتبر في تحقيق فكرة الاتحاد الأوروآسيوي (فكرة اقترحها فلاديمير بوتين في تشرين أول 2011 لتوحيد معظم دول الاتحاد السوفييتي السابق، وتم بناءً عليها توقيع اتفاقية بين روسيا وكازاخستان وروسيا البيضاء في 18/11/2011 للشروع بتنفيذ الاتحاد السياسي والاقتصادي الأوروآسيوي مع مجيء عام 2015 – المترجم).  فمن الواضح أن فكرة التكامل ما برحت تحتل أذهان السياسيين على الرغم من الأرضية المهشمة للاتحاد الأوروبي. 

 

الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف دعمت فكرة نظيرها الفنزويلي هوغو شافيز بخلق رابط قوي بين القوى السياسية المتنوعة.  وسيكون هدف ذلك الرابط تقليص الفقر والانقسام الطبقي للمجتمع بمساعدة برامج اجتماعية كبيرة تشرف على الدولة.  والدولة في هذا النموذج الشعبي الأمريكي اللاتيني ستلعب الدور الذي تلعبه نقابة بين رجال الأعمال والعمال. 

 

إن فكرة جعل ثلاثة وثلاثين بلداً تتحد ظهرت قبل زمنٍ طويل.  ولم يمكن تحقيقها في البداية لأن قادة المكسيك وكولومبيا وباناما وتشيلي والبيرو وعدد من الدول الكاريبية اتبعوا تعليمات العم سام.  بيد أن أزمة النيوليبرالية جعلت كثيرين يتحولون شطر البرازيل النامية بشكل ديناميكي. 

 

وقد تباحث أعضاء مجموعة سيلاك، خلال قمتهم الأولى، فيما إذا كانوا سيتعاونون مع “منظمة الدول الأمريكية” OAS، التي تضم الولايات المتحدة وكندا في صفوفها.  وقال خوسيه مانويل إنسولسا، الأمين العام لمنظمة الدول الأمريكية، بشكل دبلوماسي، بأنه لا يضمر عداءً ضد مجموعة “سيلاك”، كما قال:  “أعتقد أنهما سيكملان بعضهما”.  وقد أيد كل قادة المنظمة الجديدة وجهة نظره تقريباً.  الزعيم الكوبي راؤول كاسترو صرح بأن مجموعة “سيلاك” ليس لديها هدف تحدي “منظمة الدول الأمريكية” أو استبدالها.  حتى هوغو شافيز حث المنظمتين على المحافظة على علاقات ودية.

 

وقد خاطبت مجموعة نواب جمهوريين الكونعرس لوقف دفع حصة الولايات المتحدة لمنظمة الدول الأمريكية OAS، لأن الأخيرة، كما قالوا، بدأت تتحول إلى بنية غير ديموقراطية ومزعزعة للاستقرار.  وهذا لا يعني بأن الولايات المتحدة سوف تترك حديقتها الخلفية لرحمة القدر.  فالولايات المتحدة لديها أولويات أهم في “الشرق الأوسط” طبعاً، لكنها قررت أن تعيد تأسيس أسطولها الرابع حالما أنشأت دول “اتحاد الأمم الأمريكية الجنوبية” Unasur “المجلس الدفاعي” للذود عن حقولها النفطية المفتوحة على الجرف الشرقي لجنوبي القارة (اتحاد الأمم الأمريكية الجنوبية تأسس في 2008 من اثني عشرة دولة أمريكية لاتينية – المترجم).

 

وكانت “منظمة الدول الأمريكية” OAS قد تم تأسيسها من قبل الولايات المتحدة.  وبدا أن دور تلك المنظمة هو الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة.  وقد كانت كوبا عضواً في تلك المنظمة أيضاً (تم تعليق عضوية كوبا في تلك المنظمة بين عامي 1962 و2009 – المترجم).  وقد استُغِلت المنظمة لدعم الديكتاتوريات الأمريكية اللاتينية والانقلابات العسكرية في فنزويلا وباناما وهندوراس.  لكن الحالة الجغرافية السياسية اليوم باتت مختلفة تماماً.  فكل تلك الدول، وغيرها من بلدان المنطقة، تحكمها اليوم حكومات منتخبة ديموقراطياً، كما أن دول جزر أمريكا الوسطى نالت استقلالها أيضاً.

 

وقد شرعت كولومبيا وفنزويلا (العدوتان السابقتان – المترجم) بحوار، وبدأ ينمو التبادل السلعي بينهما.  وأثبت الرئيس الكولمبي الحالي أنه قادرٌ على حل المشاكل بدون مساعدة “السيد”.  فلن تعود منظمة الدول الأمريكية للمصادقة على القرارات التي تحتاجها الولايات المتحدة بعد الآن.

 

ويعتقد بعض الخبراء بأن مجموعة “سيلاك” هي “حساء اختصارات” أخر ظهر مؤخراً على “قائمة وجبات” الجمعيات الإقليمية الأمريكية اللاتينية المتنوعة مثل Unasur وMercosur وCaricom وIAEC وSica وCAN وOtca وإلى ما هنالك.  غير أن مثل تلك المنظمات توحد أجزاءً بعينها من المناطق الواقعة إلى الجنوب من الولايات المتحدة.  أما مجموعة “سيلاك” فهي وحدها التي توحد كل البلدان، ومنها تلك الناطقة بالإنكليزية (جامايكا، ترينيداد، توباغو، الخ…)، وهايتي الناطقة بالفرنسية، وسورينام الناطقة بالهولندية.

 

إن منظمة Unasur (اتحاد الأمم الأمريكية الجنوبية الذي سبقت الإشارة إليه أعلاه – المترجم)، على سبيل المثال، تجري حالياً 510 مشاريع تكامل قيمتها 67 مليار دولار.  فالبرازيل تستثمر بشكل نشط في البنية التحتية في الأرجنتين وتشيلي والبيرو وفنزويلا وبلدان أخرى.  وهي تشيد أكبر ميناء في كوبا ومصانع طاقة كهرمائية في هايتي ونيكارغوا.  وفيما يتعلق بهايتي، فإن ذلك البلد، مع أخذ أحواله الكارثية بعين الاعتبار، سوف يتلقى المصنع بلا مقابل.  وهنالك أيضاً اتفاقٌ بين البرازيل وكوبا وهايتي على تشييد مؤسسات طبية في هايتي.  وتقيم الاستثمارات في تلك المشاريع بثمانين مليون دولار.

 

وقد جعل التكامل الإقليمي الحياة أسهل في المنطقة الأمازونية مثلاً.  فالمصنع الكهرمائي في جنوب فنزويلا يزود منطقة روريما بالكهرباء، وهي بعيدة (في الأمازون – المترجم) واقل ولاية برازيلية مأهولة بالسكان.  وتستطيع “مانوس”، عاصمة ولاية أمازونيا البرازيلية، الآن أن تستخدم وصلة الإنترنت ذات النطاق العريض عبر شركة الاتصالات الفنزويلية CANTV.  وقد قهقه كثيرون عندما تقدم شافيز بفكرة بناء خط أنابيب غاز عبر أمريكا الجنوبية.  واليوم، ها هو المشروع يتحقق، وتلعب شركة غازبروم الروسية دوراً فاعلاً فيه.

 

وكذلك تزيد البرازيل والأرجنتين من حجم تسوياتهما المالية بالعملة المحلية، فيما تعد كوبا طاقماً طبياً عالي التأهيل للمنطقة.

 

وستعمل مجموعة “سيلاك”، في الوقت الحالي، كمنبر للحوارات والاستشارات.  وخلال عام، سيناقش المشاركون فيها ما إذا كانت قراراتهم ستؤخذ بالإجماع أم بالأغلبية، مما يمكن أن يشق المنظمة.

 

إن الآراء والمصالح في المنطقة متنوعة.  والظروف الاقتصادية ومستويات المعيشة في البلدان المختلفة هي أيضاً مختلفة.  بوليفيا ليس لديها منفذ على البحر.  أما كوستاريكا ونيكاراغوا فلديهما مطالبات سيادية في أراضي بعضهما، ولا تعترف معظم الدول في المنطقة بحكومة هندوراس، الخ…

 

على الرغم من ذلك، فإن كثيرين يتفقون مع هوغو شافيز الذي صرح بأن تأسيس مجموعة “سيلاك” أصبح أهم حدث يقع في أمريكا خلال المئة سنة الأخيرة. 

 

وعلى غرار الاتحاد الأوروبي، سيحكم مجموعة “سيلاك” ثلاثة قادة هم رؤساء التشيلي وكوبا وفنزويلا.  وستعقد القمم المقبلة للمنظمة في تلك البلدان بالتتالي في 2012، 2013، و2014.

الموضوعات المرتبطة

طلقة تـنوير 92: غزة وقضية فلسطين: أين مشروعنا؟

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 آذار 2024     محتويات العدد:    قراءة في أزمة العمل الوطني الفلسطيني / إبراهيم علوش    غزة: المعركة التي رسمت معالم المستقبل / [...]

طلقة تـنوير 91: الرواية الفلسطينية تنتصر/ نحو حركة شعبية عربية منظمة

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 كانون الثاني 2024        محور انتصار الرواية الفلسطينية في الصراع: - جيل طوفان الأقصى/ نسرين عصام الصغير - استهداف الصحفيين في غزة، [...]

طلــقــة تــنويــر 90: ما بعد الطوفان عربياً

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 تشرين الثاني 2023 - الطوفان المقدس: غرب كاذب عاجز، ومقاومة منتصرة / كريمة الروبي   - بين حرب السويس وطوفان الأقصى / بشار شخاترة   - طوفانٌ يعمّ من [...]

طلــقــة تــنويــر 89: الهوية العربية في الميزان

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 تشرين الأول 2023 محتويات العدد:   - مكانة الهوُية بين الثقافة والعقيدة: قراءة نظرية / إبراهيم علوش   - الهوية العربية بين الواقع والتحديات / ميادة [...]

هل القومية فكرة أوروبية مستوردة؟

  إبراهيم علوش – طلقة تنوير 88   تشيع جهالةٌ في خطاب بعض الذين لا يعرفون التراث العربي-الإسلامي حق المعرفة مفادها أن الفكرة القومية عموماً، والقومية العربية خصوصاً، ذات مصدر أوروبي مستحدث [...]
2024 الصوت العربي الحر.