نظرة قيامية للاقتصاد والسياسة العالميين لعام 2012/ جزءان/ جيمس بتراس

January 11th 2012 | كتبها

الجزء الأول

تأليف: جيمس بتراس

ترجمة وتقديم: د. إبراهيم علوش

العرب اليوم 8/1/2012

تقديم: …”قيامية”، من قيامة، والمقصود هو أزمة كبيرة جداً بالطبع.  وواضع هذه الرؤية المفرطة في التشاؤم هو جيمس بتراس، أحد أبرز المفكرين والكتاب اليساريين في أمريكا الشمالية، الذي نشرها ليلة  24/12/2011 فيما كان الغرب يحتفل بعيد الميلاد.  وجيمس بتراس هو بروفسور متقاعد، له 62 كتاباً، ومئات الدراسات والمقالات التي تم نشرها بعدة لغات وفي ابرز المجلات الأكاديمية وصحف الدرجة الأولى، وقد حصل البرفسور بتراس على عدة جوائز منها مثلاً جائزة أفضل أطروحة دكتوراة من جمعية العلوم السياسية الغربية عام 68، وجائزة أفضل كتاب عام 2002، وجائزة جمعية علماء الاجتماع الأمريكيين للخدمة المتميزة، الخ… وهي مقدمة لا بد منها، لكي يعرف القارئ، الذي تبهره مثل تلك الأوسمة، أن من يتحدث عن القيامة/ الأزمة الاقتصادية عام 2012، والحرب ضد إيران، ليس مشعوذاً متفلسفاً بل قامة أكاديمية وفكرية معروفة ومعترف بها كمرجعية في أمريكا الشمالية حتى من قبل بعض أعدائها الفكريين، مع أن المادة يجب أن تقيم بالأساس بناء على قوة أو ضعف ما جاء فيها، لا بناء على اسم صاحبها…

وقد سبق أن تناولنا في العرب اليوم في 3/1/2012 تقرير مركز أبحاث “يورومونيتور” المرموق تحت عنوان “توقعات اقتصادية متشائمة لعام 2012″، وقد تحدث ذلك التقرير عن ركود اقتصادي عالمي، بالأخص في الدول المتقدمة، إلى جانب تباطؤ أقل حدة في اقتصاديات الدول الناشئة والنامية.  أما جيمس بتراس اليساري الماركسي فيقول بأن منطقة اليورو ستواجه كساداً، لا ركوداً فحسب، وأن الركود سيكون عميقاً على مستوى عالمي، وسيحدث تباطؤً كبيراً في معدلات نمو دول البريكس الصاعدة، أي أن بتراس يعتمد على نفس المعطيات ليتوصل أن عام 2012 سيكون عام التحول إلى أزمة اقتصادية عامة سيكون من تداعياتها انتهاء اليورو وانحلال الاتحاد الأوروبي والعودة إلى الحروب التجارية، وانتشار النزاعات الأهلية الداخلية.  ونقدم في الجزء الأول من هذه الترجمة تنبؤات بتراس الاقتصادية، على أن نعود في الجزء الثاني للتركيز على التنبؤات السياسية ومنها الحرب على إيران، وعودة الحرب الباردة مع الصين بالأخص، وانعكاس كل ذلك على الاقتصاد العالمي باتجاه تحويل الركود إلى كساد.

ونشير فقط أن استنتاجات بتراس تنحو بنفس الاتجاه التشاؤمي التي تنحوه معظم تنبؤات اقتصاديي المؤسسة الحاكمة في الغرب، سوى أنهم يعتبرونها المسار الهابط لدورة اقتصادية عادية تعلو وتهبط، أما هو فيعتبرها أزمة نظام على وشك الانفجار.  وبغض النظر عن حدة استنتاجات بتراس، خاصة بالنسبة لاعتباره أن الدول الصاعدة مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل قد بدأت تفقد قوة الدفع الاقتصادية، دون أن ننكر أن معدل نموها عام 2012 سيكون اقل من معدلها السنوي العام خلال العقد الأخير، فإن بتراس يقدم رؤية جديرة بالتمعن تربط الاقتصاد بالسياسة، وتربط الركود بتناقضات النظام ككل، وتسلط الضوء على البعد الاجتماعي للركود الاقتصادي وكيفية تحوله إلى صراعات سياسية داخلية وخارجية.

نص الترجمة/ الجزء الأول: إن الأفقَ الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لعام 2012 أفقٌ سلبيٌ حتى النخاع.  وقد بات هناك إجماع، يكاد يكون شاملاً، حتى بين اقتصاديي التيار السائد المحافظين، على التشاؤم بصدد الاقتصاد العالمي، مع أن تنبؤاتهم، حتى في هذا، تقلل من نطاق وعمق الأزمات الماثلة.

وهنالك أسباب قوية للاعتقاد بأننا، ابتداءً من 2012، سوف نتجه نحو منحدر أكثر حدةً من ذاك الذي جربناه خلال “الركود العظيم ” لعامي 2008-2009.  والحكومات، بموارد أقل، ودين عام أعظم ومقاومة شعبية متصاعدة لتحمل عبء إنقاذ النظام الرأسمالي، لن تتمكن من إنقاذ ذلك النظام.

العديد من المؤسسات الرئيسية والعلاقات الاقتصادية التي كانت سبب ونتيجة التوسع الرأسمالي العالمي والإقليمي خلال العقود الثلاثة الماضية هي في طور التحلل والتبعثر.  فالمحركات الاقتصادية السابقة للتوسع العالمي، كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، استنفذت طاقاتها ودخلت في حالة تدهور مفتوح.  ومراكز النمو الجديدة: الصين، الهند، البرازيل، وروسيا، التي مدت النمو الاقتصادي العالمي بقوة دفعٍ جديدة على مدى”عقدٍ قصير”، قد جرت مجراها وراحت تتباطأ بتسارع ولسوف تستمر بالتباطؤ خلال السنة الجديدة.

انهيار الاتحاد الأوروبي

بالتحديد، إن الاتحاد الأوروبي الذي به الأزمات سوف يتفكك، وبنية الأمر الواقع متعددة الطبقات سوف تتحول إلى سلسلة من الاتفاقات التجارية والاستثمارية الثنائية والمتعددة.  ألمانيا وفرنسا والبلدان الواطئة (بلجيكا، هولندا، لوكسمبورج – المترجم) والبلدان الشمالية، سوف تحاول أن تنجو من الانكماش.  بريطانيا، بالتحديد، مدينة لندن، في عزلتها الجليلة، سوف تغرق بمعدلات نمو سالبة، فيما يهرول متمولوها لإيجاد فرص مضاربة جديدة بين دول الخليج النفطية و”مواطن ملائمة” أخرى.  أوروبا الشرقية والوسطى، خاصةً بولندا وجمهورية التشيك، سوف تعمق روابطها مع ألمانيا، لكنها سوف تعاني من عواقب الانحدار العام للأسواق العالمية.  أوروبا الجنوبية (اليونان، إسبانيا، البرتغال، وإيطاليا) سوف تدخل في كساد عميق فيما الدفعات على الدين العام الهائل، تلك الدفعات التي غذتها الهجمات الوحشية على الأجور والمساعدات الاجتماعية، سوف تقلص بشدة من طلب المستهلكين على السلع والخدمات.

إن مستويات بطالة وبطالة جزئية كسادية، تصل إلى ثلث القوة العاملة، سوف تفجر نزاعات اجتماعية طول السنة تزداد زخماً باتجاه انتفاضات شعبية.  وفي النهاية فإن تفكك الاتحاد الأوروبي سيكون شبه حتمي.  واليورو كعملة مفضلة سيتم استبداله بالعودة إلى الإصدارات الوطنية التي تصاحبها الحمائية وتخفيض قيم العملات.  ستكون القومية صفة الحال.  المصارف في ألمانيا وفرنسا وسويسرا ستتكبد خسائر ضخمة على قروضها في جنوب أوروبا.  وستصبح عمليات إنقاذ كبرى ضرورية، مما يشق المجتمعين الفرنسي والألماني بين قطبين: الأغلبية الدافعة للضرائب والمصرفيين.  وسيزيد النضالُ النقابي من جهة، و”الشعبويةُ” المزيفةُ لليمين (الفاشية الجديدة) من جهة أخرى، من زخم الصراعات الطبقية والوطنية.

إن أوروبا مستقطبة ومجزأة في حالة كساد ستكون أقل ميلاً للانضمام لأي مغامرة أمريكية-“إسرائيلية” موحى به صهيونياً ضد إيران (أو حتى ضد سوريا).  وأوروبا المحملة بالأزمات سوف تعارض نهج المواجهة الذي تتبعه واشنطن مع روسيا والصين.

الولايات المتحدة: الركود يعود بقوة

سيعاني الاقتصاد الأمريكي من آثار عجز الموازنة الحكومية المتضخم ولن يتمكن هذه المرة من إخراج نفسه من الركود العالمي لعام 2012 عن طريق الإنفاق الحكومي.  ولن يستطيع أن يعتمد على إخراج نفسه من معدلات النمو السالبة عن طريق “التصدير” بالتوجه إلى آسيا الديناميكية سابقاً، فيما الصين والهند وبقية آسيا تخسر قوة دفعها الاقتصادية.  فالصين ستنمو بمعدل أقل بكثير من معدلها السنوي العام البالغ 9%.  الهند سينخفض معدل نموها السنوي من 8% إلى 5% أو أقل.  أضف إلى ذلك أن سياسة نظام أوباما العسكرية القائمة على “التطويق”، وسياسته الاقتصادية القائمة على الإقصاء والحمائية، سوف تستبعد أي تحفيز اقتصادي من جهة الصين.

النزعة العسكرية تفاقم من الانكماش الاقتصادي

ستكون الولايات المتحدة وبريطانيا أكبر خاسرين من عمليات إعادة البناء ما بعد حرب العراق.  ومن أصل 186 مليار دولار من مشاريع البنية التحتية، فإن الشركات الأمريكية والبريطانية ستنال أقل من خمسة بالمئة (صحيفة الفايننشال تايمز، 16/12/2011، الصفحة 1 و3).  ومن المرجح أن تكون الحصيلة مشابهة في ليبيا وغيرها.  فالنزعة العسكرية الإمبريالية الأمريكية تحطم خصماً، غاطسة في الدين لتحقيق ذلك، ويجني غير المشاركين في القتال عقود إعادة البناء الاقتصادي المجزية ما بعد الحرب.

سيقع الاقتصاد الأمريكي في الركود في عام 2012 و”الانتعاش الخالي من الوظائف لعام 2011″ سيحل محله ارتفاعٌ حادٌ في معدل البطالة في عام 2012.  في الواقع، سيتقلص الحجم الكلي للقوة العاملة فيما يكف الناس الذين يخسرون تعويضات البطالة عن تسجيل أنفسهم (القانون الأمريكي يتيح للعاطل عن العمل الحصول على تعويض بطالة لمدة نصف سنة، تحت شروط محددة، قد يمددها القانون في حالات خاصة، وبعدها يفقد حقه في تعويضات البطالة – المترجم).

استغلال العمل (“الإنتاجية”) سوف يزداد زخماً فيما يجبر الرأسماليون العمال لكي ينتجوا أكثر، مقابل أجر أقل، موسعين بهذا فارق الدخل بين الأجور والأرباح.

وسيرافق الانكماش الاقتصادي ونمو معدل البطالة تخفيضات وحشية في البرامج الاجتماعية من أجل تقديم الدعم المالي للصناعات والمصارف المضطربة.  المناظرات بين الأحزاب ستدور حول حجم تلك التخفيضات للعمال والمتقاعدين لضمان “ثقة” مالكي السندات الحكومية.  وفي مواجهة خيارات سياسية محدودة بنفس القدر، فإن جمهور الناخبين ستكون ردة فعله الإطاحة بشاغلي المناصب الحاليين، أو بالامتناع عن المشاركة بالانتخابات، أو بالحركات الجماهيرية العفوية والمنظمة، مثل احتجاج “احتلوا وول ستريت”.  الاستياء والعداء والإحباط سيسود الثقافة.  وسيلقي الديماغوجيون الديموقراطيون باللوم على الصين، وسيلقي الديماغوجيون الجمهوريون باللوم على المهاجرين.  وكلاهما سوف يرغي ويزبد ضد “الفاشيين الإسلاميين”، خاصة إيران.

حروب جديدة في قلب الأزمات: الصهاينة يطلقون الزناد

الرؤساء الاثنان والخمسون للمنظمات اليهودية الصهيونية الرئيسية، وأتباعهم جماعة “إسرائيل أولاً” في الكونغرس ووزارة الخارجية والمالية والدفاع، سيدفعون باتجاه الحرب مع إيران.  فإذا نجحوا، فإن ذلك سيقود إلى حريقٍ إقليميٍ وكساد عالمي.  وبالنظر إلى مدى نجاح النظام “الإسرائيلي” المتطرف في تأمين الطاعة العمياء لسياساته الحربية في الكونغرس الأمريكي والبيت الأبيض، فإن أي تشكك حول الإمكانية الحقيقية لوقوع نتيجة كارثية كبرى يمكن استبعاده.

الجزء الثاني

نشر في العرب اليوم في 11/1/2012

تقديم: قدمنا في الجزء الأول من تنبؤات البرفسور جيمس بتراس “القيامية” حول الاقتصاد العالمي حيث تنبأ بنشوب ركود عالمي كبير على شفا التحول إلى كساد، سيقود إلى انحلال الاتحاد الأوروبي وانفجار الاحتجاجات والحراكات الشعبية حول العالم.  وفي هذا الجزء الثاني من تنبؤات بتراس، يربط الاقتصاد بالسياسة ليظهر كيف سيؤول الصراع العالمي إلى  حرب باردة جديدة وإلى حروب خارجية ستحول الركود إلى كساد، والأهم، أن بتراس، من بين المفكرين الماركسيين الكبار في الغرب، لا يخشى أن يتصدى لظاهرة النفوذ اليهودي-الصهيوني ليس فقط في الكونغرس الأمريكي والبيت الأبيض، بل في وسائل الإعلام الجماهيري و”المجتمع المدني”، ويظهره كعامل مستقل، في صناعة السياسة الخارجية الأمريكية، وفي صناعة الحروب حول العالم، وفي هذه الحالة، في الدعوة لشن الحرب على إيران.

الصين: آليات تعويضية في 2012

ستواجه الصين الركود العالمي لعام 2012 بعدة طرق ممكنة لتخفيف وطأته.  بكين يمكن أن تنتقل لإنتاج السلع والخدمات ل700 مليون مستهلك محلي هم حالياً الدائرة الاقتصادية.  ومن خلال زيادة الأجور، والخدمات الاجتماعية والأمان البيئي، فإن الصين يمكن أن تعوض عن خسارة الأسواق الخارجية.  إن نمو الصين الاقتصادي المعتمد إلى كبير على المضاربة في سوق العقارات سيتأثر سلبياً عندما تنفجر تلك الفقاعة.  وسينتج عن ذلك انكماش حاد.  وسيقود ذلك لفقدان الوظائف وإفلاس عدد من البلديات وتزايد النزاعات الاجتماعية والطبقية.  وسيقود ذلك إما للمزيد من القمع أو المزيد من الديموقراطية.  والنتيجة ستؤثر بعمق على علاقات بين السوق والدولة في الصين.  ومن المرجح أن تقود الأزمات الاقتصادية إلى تقوية سيطرة الدولة على السوق.

روسيا تواجه الأزمات

انتخاب روسيا للرئيس بوتين سيقود إلى تعاون أقل في دعم الانتفاضات والعقوبات التي يتم الترويج لها أمريكيا ضد حلفاء روسيا وشركائها التجاريين.  وسيتوجه بوتين نحو روابط أقوى مع الصين وسيستفيد من تفكك الاتحاد الأوروبي وإضعاف الناتو.

وستستخدم المعارضة الروسية المدعومة من الإعلام الغربي نفوذها المالي لتشويه صورة بوتين وتشجيع حملات مقاطعة الاستثمار في روسيا مع أنهم سيخسرون الانتخابات الرئاسية بهامش كبير.  الركود العالمي سيضعف الاقتصاد الروسي وسيجبره على أن يختار ما بين ملكية عامة أكبر أو اعتماد أكبر على موارد الدولة المالية لإنقاذ كبار الأغنياء البارزين.

التحول بين 2011 و2012: من الركود الإقليمي والاقتصادي الأزمات العالمية

وضعت سنة 2011 الأساس لتفكك الاتحاد الأوروبي.  وبدأت الأزمات بنهاية اليورو، والركود في الولايات المتحدة، واندلاع الاحتجاجات الجماهيرية ضد عدم المساواة الفاحش على المستوى العالمي.  إن أحداث عام 2011 كانت بمثابة “البروفة الأخيرة” لسنة جديدة من الحروب التجارية الشاملة بين القوى العالمية الأساسية، شاحذةً من الصراعات بين القوى الإمبريالية نفسها، ومن أرجحية التمردات الشعبية التي يمكن أن تتحول إلى ثورات.  أضف إلى ذلك أن حملة تصعيد حمى الحرب المدبرة صهيونياً ضد إيران في 2011 تبشر بأكبر حرب إقليمية منذ حرب الولايات المتحدة في شبه الجزيرة الإندو-صينية.  إن الحملات الانتخابية ونتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا ستعمق من النزاعات العالمية والأزمات الاقتصادية.

خلال عام 2011 أعلن نظام أوباما عن سياسة المواجهة العسكرية مع روسيا والصين وعن سياسات مصممة لتقويض صعود الصين كقوة اقتصادية عالمية والحط منه.  وفي مواجهة الركود الاقتصادي المتعمق ومع انحدار أهمية الأسواق الخارجية، خاصة في أوروبا، فإن حرباً تجارية كبرى سوف تتجلى للعيان.  واشنطن ستتبع بعدوانية سياسات تحد من صادرات الصين واستثماراتها.  وسيصعد البيت الأبيض من جهوده للإخلال في تجارة الصين واستثماراتها في آسيا وأفريقيا وغيرها.  ويمكن أن نتوقع جهوداً أمريكية أكبر لاستغلال النزاعات الأهلية والعرقية الداخلية في الصين ولزيادة الحضور العسكري الأمريكي مقابل الساحل الصيني.    إن استفزازاً كبيراً أو حادثة مفتعلة في هذا السياق لا يمكن استبعادهما.  والنتيجة في 2012 قد تقود لدعوات شوفينية مسعورة من أجل الشروع ب”حرب باردة” جديدة مكلفة.  إن أوباما قد قدم الإطار والمبرر لمواجهة واسعة النطاق وطويلة الأمد مع الصين.  وهذا سيبدو كجهد يائس لإسناد نفوذ الولايات المتحدة ومواقعها الإستراتيجية في آسيا..  إن “مربع النفوذ” العسكري للولايات المتحدة: الولايات المتحدة-اليابان-أستراليا-كوريا الجنوبية، مع دعمٍ تبعيٍ من الفلبين، سيضع علاقات الصين التجارية في مواجهة التعزيزات العسكرية لواشنطن.

أوروبا: تقشف أعمق وصراع طبقي أكثر زخماً

إن برامج التقشف المفروضة في أوروبا، من بريطانيا إلى لاتفيا إلى أوروبا الجنوبية، سوف ترسخ في 2012.  وستقود عمليات الفصل الهائلة من القطاع العام ورواتب القطاع الخاص المخفضة وقلة التوظيف إلى سنة من الصراع الطبقي الدائم والتحديات التي تواجه الأنظمة.  وسيصاحب “سياسات التقشف” في الجنوب عجزٌ عن الوفاء بالدين مما سيقود لفشل بعض البنوك في فرنسا وألمانيا.. وستصر الطبقة المالية الحاكمة في إنكلترا، وهي طبقة معزولة في أوروبا ولكن مهيمنة في إنكلترا، أن يقمع المحافظون العمالَ والاضطرابات الشعبية.  وسيبرز نمطٌ قاسٍ ثاتشري جديدٌ من الحكم الأتوقراطي.  معارضة النقابات العمالية ستطلق احتجاجات فارغة وستكبح جماح الجمهور المتمرد.  وبكلمة واحدة، إن السياسات الاقتصادية-الاجتماعية الرجعية التي ثبتت في عام 2011 هي التي هيأت المسرح لأنظمة الدولة البوليسية الجديدة ولمواجهات أكثر حدةً، ربما دموية، مع العمال والشبيبة العاطلين عن العمل بلا مستقبل.

الحروب القادمة التي تنهي أمريكا “كما نعرفها”

لقد وضع أوباما الأساس، ضمن الولايات المتحدة، لحرب جديدة أكبر في “الشرق الأوسط” عن طريق إعادة نشر القوات من العراق وأفغانستان وتركيزها حول إيران.  وتسعى واشنطن، من أجل تقويض إيران، لتوسعة عملياتها السرية العسكرية والمدنية ضد حلفاء إيران في سوريا وباكستان وفنرويلا والصين.  إن مفتاح الإستراتيجية الحربجية “الإسرائيلية” والأمريكية تجاه إيران هي سلسلة الحروب في الدول المجاورة، العقوبات الاقتصادية عالمية الطابع، الهجمات الالكترونية الهادفة لتعطيل صناعات حيوية، والاغتيالات الإرهابية السرية للعلماء والمسؤولين العسكريين.   إن كل الدفع والتخطيط والتنفيذ للسياسات الأمريكية التي تقود للحرب مع إيران يمكن أن ننسبها بالاسم لتشكيلة النفوذ الصهيوني التي تحتل مواقع إستراتيجية في الحكومة، والإعلام و”المجتمع المدني”.  إن أي تحليل منهجي لصناع السياسات الذين يصممون وينفذون سياسة العقوبات الاقتصادية في الكونغرس ستجد أدواراً بارزة لكبار الصهاينة مثل إيليانا روس-ليهتينن وهوارد بيرمان؛ في البيت الأبيض، دنيس روس، وجيفري فيلتمان في الخارجية؛ وستيوارت ليفي وبديله ديفيد كوهين في وزارة المالية.

البيت الأبيض مدينٌ بالكامل لجامعي التبرعات الصهاينة، وهو يتلقى الإشارة من الرؤساء الاثنان والخمسون للمنظمات اليهودية الأمريكية الرئيسية.  إن الإستراتيجية الصهيونية-“الإسرائيلية” هي تطويق إيران، وإضعافها اقتصادياً، ومهاجمتها عسكرياً.  إن غزو العراق كان حرب الولايات المتحدة الأولى من أجل “إسرائيل”؛ الحرب الليبية كانت الثانية؛ الحرب الحالية بالإنابة ضد سوريا هي الثالثة.  وهذه الحروب دمرت أعداء “إسرائيل” أو أنها في طريقها لتحقيق ذلك.  خلال عام 2011، كانت العقوبات الاقتصادية صممت لخلق حالة من الاستياء المحلي في إيران هي السلاح المفضل الأساسي.  وقد أشغلت حملة العقوبات الدولية كل طاقات اللوبيات اليهودية-الصهيونية الأساسية.  كما أنها لم تواجه أية معارضة في الإعلام الجماهيري أو الكونغرس أو البيت الأبيض.  ولم تواجه تشكيلة النفوذ الصهيوني أي نقد فعلياً من قبل أي من المجلات أو الحركات أو المجموعات الصغيرة التقدمية أو اليسارية أو الاشتراكية، مع استثناءات قليلة ملحوظة.  إن إعادة نشر القوات العام الماضي من العراق باتجاه الحدود مع إيران، العقوبات، والدفع الكبير من طابور “إسرائيل” الخامس في الولايات المتحدة يعني الحرب في “الشرق الأوسط”.  وهذا من المرجح أن يعني هجوماً صاروخياً “مفاجئاً” من قبل القوات الأمريكية عن طريق الجو والبحر.  وسنبني هذا على ذريعة مفبركة عن “هجوم نووي وشيك” تختلقها الموساد وتنشرها تشكيلة النفوذ الصهيوني للكونغرس والبيت الأبيض للاستهلاك والنشر حول العالم.  وستكون حرباً مطولة، دموية، ومدمرة من أجل “إسرائيل”.  وستتحمل الولايات المتحدة الكلفة العسكرية المباشرة بنفسها، لكن بقية العالم سيدفع سعراً اقتصادياً باهظاً.  وذلك أن حرب الولايات المتحدة المروج لها صهيونياً ستحول الركود في بداية عام 2012 إلى كساد كبير مع نهاية العام ربما يحرك ثوراناً شعبياً.

استنتاج

تدل كل المؤشرات بأن عام 2012 سيكون عام نقطة التحول إلى أزمات اقتصادية متصلة ومنتشرة خارجياً من أوروبا والولايات المتحدة إلى آسيا والدول التابعة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية.  ستكون تلك الأزمات عالمية حقاً.  وستقوض المواجهات بين الدول الإمبريالية والحروب الاستعمارية أي جهود للتخفيف من هذه الأزمة.  وستبرز كرد فعل حركات جماهيرية تتحول مع الوقت إلى احتجاجات وحركات تمرد، ونأمل إلى ثورات اجتماعية وسلطة سياسية.

الموضوعات المرتبطة

طلقة تـنوير 92: غزة وقضية فلسطين: أين مشروعنا؟

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 آذار 2024     محتويات العدد:    قراءة في أزمة العمل الوطني الفلسطيني / إبراهيم علوش    غزة: المعركة التي رسمت معالم المستقبل / [...]

طلقة تـنوير 91: الرواية الفلسطينية تنتصر/ نحو حركة شعبية عربية منظمة

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 كانون الثاني 2024        محور انتصار الرواية الفلسطينية في الصراع: - جيل طوفان الأقصى/ نسرين عصام الصغير - استهداف الصحفيين في غزة، [...]

طلــقــة تــنويــر 90: ما بعد الطوفان عربياً

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 تشرين الثاني 2023 - الطوفان المقدس: غرب كاذب عاجز، ومقاومة منتصرة / كريمة الروبي   - بين حرب السويس وطوفان الأقصى / بشار شخاترة   - طوفانٌ يعمّ من [...]

طلــقــة تــنويــر 89: الهوية العربية في الميزان

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 تشرين الأول 2023 محتويات العدد:   - مكانة الهوُية بين الثقافة والعقيدة: قراءة نظرية / إبراهيم علوش   - الهوية العربية بين الواقع والتحديات / ميادة [...]

هل القومية فكرة أوروبية مستوردة؟

  إبراهيم علوش – طلقة تنوير 88   تشيع جهالةٌ في خطاب بعض الذين لا يعرفون التراث العربي-الإسلامي حق المعرفة مفادها أن الفكرة القومية عموماً، والقومية العربية خصوصاً، ذات مصدر أوروبي مستحدث [...]
2024 الصوت العربي الحر.