تحليل إحصائي لنتائج انتخابات التشريعي: تفوق حماس نسبي وليس مطلقاً

March 8th 2010 | كتبها

تحليل إحصائي لنتائج انتخابات التشريعي:

تفوق حماس نسبي وليس مطلقاً

نشرت في اليوم السابع، الملحق الأسبوعي للعرب اليوم الأردنية، في 13/2/2006

د. إبراهيم علوش

هي انتخابات جرت في ظل الاحتلال بالتأكيد، وقد قامت على أساس أوسلو باعتبار ذلك الاتفاق الأساس القانوني لوجود السلطة الفلسطينية نفسها، على السكان وليس على الأرض، في أجزاء من الضفة وغزة، كما أن سقف التشريع المسموح في المجلس المنتخب هو سقف الاحتلال، بمعنى أن المجلس التشريعي أو رئيس السلطة لا يحق لهما أن يسنا أو أن يوافقا على أي قوانين تخالف قرارات الحاكم العسكري “الإسرائيلي” أو الاتفاقيات المعقودة مع الكيان الصهيوني، فالطريقة القانونية الوحيدة لمخالفة تلك الاتفاقيات هي إعادة التفاوض حولها من جديد، وهو ما يدخل أية قوة أو شخصية معنية بتغيير بنود الاتفاقيات (التي تبقى مذلة) في نفق التفاوض المظلم بالضرورة حيث الداخل مفقود والخارج مولود، مع أننا لم نسمع حتى الآن عن فلسطينيٍ دخل ذلك المستنقع وخرج منه نقياً غير ملوث…

وهي انتخابات تمت في مناطق بلا سيادة ولا حدود ولا عاصمة، ولم يشارك فيها إلا ربع الشعب الفلسطيني، أي ذاك الربع الموجود في الضفة وغزة، بينما تتوزع الأرباع الثلاثة الباقية بين المنافي والأراضي العربية الفلسطينية المحتلة عام 1948، ولذلك، لا تلزمنا تلك الانتخابات بشيء، بقدر ما لا تلزمنا الاتفاقات المعقودة مع العدو الصهيوني بشيء، وقع من وقع وشارك من شارك.  فما دامت لنا أرضٌ محتلة، لا نحتكم إلا لقانون المقاومة، خاصةً أن هذا الصراع هو صراع وجود، صراعٌ تناحريٌ لا يحل إلا بالعنف.

وهي انتخاباتٌ تمت إزاء خلفية سياسية إقليمية تتميز أولاً بمشروع “إصلاح” أمريكي يقوم على زيادة التغلغل المعادي في بلادنا عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً تحت ستار من البازارات الانتخابية والشعارات “الديموقراطية” التفكيكية، وتتميز ثانياً بمشاركة أجزاء من الحركة الإسلامية في تلك البازارات الانتخابية في ظل الاحتلال أو في ظل المعاهدات مع العدو الصهيوني من مصر إلى العراق، وتتميز فلسطينياً بمثول استحقاق سياسي عنوانه وقف المقاومة والانتفاضة وإلقاء السلاح ضمن سياق ما يسمى “خريطة الطريق”، وهو سياق يسيطر عليه الطرف الأمريكي-الصهيوني بالضرورة، ولا ينطلق مثلاً من مصلحة الأمة.

ولكن بالرغم من كل ذلك، لا يمكن الإنكار أن نتائج انتخابات المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية في ظل الاحتلال كانت بمثابة زلزال سياسي حقيقي فلسطينياً وإقليمياً ودولياً، لأنها 1) ألقت بحزب السلطة الفلسطينية من على الكرسي الذي يتربع عليه، و2) جاءت بقوة سياسية لم تعترف حتى الآن بحق دولة العدو بالوجود، قوة ما زالت تحمل لواء المقاومة المسلحة والعمليات الاستشهادية، بغض النظر عن أي تحول يمكن أن يطرأ على برنامجها لاحقاً، و3) هو توجه شعبي فلسطيني جاء معاكساً لكل الخط الذي تسير عليه الأنظمة العربية منذ ما بعد حرب تشرين عام 1973، و4) مما بدا كأنه أعاد كل الجهود التسووية الدولية في المجال الشعبي الفلسطيني عقوداً إلى الوراء، و5) مما شكل صفعةً للكيان الصهيوني حكومة ومستعمرين بعد عقودٍ من العقاب الجماعي اعتقدوا بعدها أن الفلسطينيين ربما يكونون قد تخلوا أو خضعوا أو استسلموا.

ومرة أخرى، يصح ما سبق حتى لو تحولت حماس عن برنامجها المعلن، لأن الناس ينتخبون المرشحين على برامجهم المعلنة، وسجلاتهم المعروفة، وليس على ما يمكن أن يتحولوا إليه، خاصةً إذا كان التحول إلى الأسوأ.

ولكن في حوارٍ دار مع صديقٍ ضليعٍ بالشأن الفلسطيني مؤخراً حول معنى نتائج انتخابات التشريعي للسلطة الفلسطينية، اختلفنا حول تحليل تلك الانتخابات ونتائجها، فأصر أن الأغلبية الانتخابية، بالرغم من النتائج، كانت في الواقع لحركة فتح، باستثناء أن فتح لم تدر المعركة الانتخابية جيداً، مما أدى لتفكيك كتلة أصواتها وهو فقط ما سمح لحماس أن تفوز في تلك الانتخابات.

ولإثبات قوله، أخرج صديقي النتائج التفصيلية لتلك الانتخابات من على موقع “لجنة الانتخابات المركزية/ فلسطين/ المكتب المركزي للانتخابات” التي تظهر أسماء كل المرشحين وانتماءاتهم والدوائر التي ترشحوا فيها، (مثلاً، فلان الفلاني، من فتح، أخذ ثلاثين ألف صوت في دائرة الخليل، الخ…) وأضاف: لو أخذت لائحة المفصولين من فتح بسبب دخولهم الانتخابات كمستقلين، وجمعت أصوات هؤلاء إلى أصوات المرشحين الرسميين لقائمة فتح، سواء الذين نجحوا أو رسبوا، لوجدت أن مجمل الأصوات المنصبة للفتحاويين، داخل وخارج القوائم الرسمية، ستكون أكثر من الأصوات المنصبة للحمساويين.

مثلاً، فلنأخذ دائرة صغيرة مثل سلفيت لها مرشحٌ واحد، أي أن المصوتين هناك لا يمكن أن يعطوا إلا صوتاً واحداً لمرشح الدائرة.  في تلك الدائرة، نجح مرشح حماس ب6762 صوتاً، وخسر مرشح فتح الذي نال 5632 صوتاً، ولكن لو أضفت إلى ذلك أن فتحاويين اثنين ترشحا كمستقلين عن تلك الدائرة خارج القائمة الفتحاوية، وفصلا بسبب ذلك، لوجدت أن مجموع أصوات هذين الاثنين الذين خسرا تساوي 6346 صوتاً.  فإذا أضفناها إلى أصوات المرشح الرسمي لفتح عن تلك الدائرة، لوجدنا مجموع الأصوات الفتحاوية مساوياً ل 5632 زائد 6346، أي أن مجموع الأصوات الفتحاوية في تلك الدائرة هو في الواقع 11978، أو اثني عشر ألف صوت مقابل أقل من سبعة آلاف لمرشح حماس.

ومن خلال تفحص عددٍ من الدوائر الانتخابية الأخرى مثل دوائر القدس وطولكرم وطوباس ونابلس أو دائرة رام الله والبيرة أو دائرة بيت لحم أو دائرة دير البلح أو خانيونس، حسب هذا التحليل، سنجد أن مشكلة فتح لم تكن في قلة عدد الأصوات، بل في تشتتها على عدد من المرشحين يزيد عن عدد النواب المخصص لكل دائرة في معظم الحالات، وهو ما سمح لحماس أن تحصد عدداً من المقاعد النيابية يفوق وزنها الشعبي بكثير.

وأخيراً، طمأنني صديقي: ولا تفهم من ذلك أن الناخبين الفلسطينيين في الضفة وغزة مع التسوية أو مع الصلح والتفريط والاعتراف بالعدو الصهيوني، فهذا لا يمكن أن يكون موقف الكتلة الأساسية للفلسطينيين الذين تبقى حركة فتح، بالرغم من ذلك، ممثلتهم.

=======================================

ولا شك أن مثل هذا التحليل للانتخابات الأخيرة هو الذي دفع فتح إلى فصل عشرات المرشحين الفتحاويين الذين دخلوا الانتخابات خارج القوائم الرسمية.  ولكن خلال الأيام الماضية، راحت تتقلب كالحجر المسنن في معدتي تصريحات بعض قادة حماس عن الهدنة طويلة الأمد مع العدو الصهيوني، وعن التعامل “الواقعي” مع الاتفاقيات المذلة، وعن أن أمريكا ليست عدوة لنا، وبعض الأخبار المنشورة في وسائل الإعلام عن اللقاءات التي لا تنشر محاضرها مع الوفود البريطانية بالأخص والأمريكية وغيرها.  فعزمت كمواطن عربي لا يمثل إلا نفسه أن أحسب بأقرب من يكون إلى الدقة وزن حماس في الشارع في الضفة وغزة بناءً على نتائج انتخابات التشريعي الأخيرة لأقدر عدد الذين قد تصيبهم صدمة إذا تراجعت حماس عن خيار المقاومة، لا سمح الله، ودخلت بازار الحلول السياسية.

وعكفت على نتائج انتخابات التشريعي في الضفة وغزة المحتلتين عسى أن تتبين حقيقة الأمر.  فالتحليل الإحصائي يقوم في العلم على العينات العشوائية، والمشاركة في الانتخابات بلغت حوالي ثلاثة أرباع من يحق لهم الانتخاب، أما الربع الرابع، فربما يكون مقاطعاً عمداً أو لا مبالي، لا نعرف على وجه التحديد، مع أن اللامبالاة ترفٌ لا يمكن تصوره في ظروفٍ مثل ظروف الضفة وغزة.  المهم، على افتراض أن حماس زجت بكل قوتها الانتخابية في المعركة، يمكن القول إحصائياً أن وزن حماس الانتخابي من مجموع الناخبين يبقى أقل من وزنها من مجموع من يحق لهم الانتخاب، وهو ما ينطبق على بقية القوى المشاركة بالانتخابات بالطبع.  فلا نظلم أحداً إذن لو افترضنا أن نسبة الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة تعبر بدرجة ما عن وزنه في الشارع في الضفة وغزة.

أولاً، لا بد من الانتباه أن انتخابات التشريعي الأخيرة جرت بناءً على نظامين، نظام التمثيل النسبي، ونظام الدوائر.  فعدد نواب المجلس التشريعي هو 132، وقد انتخب 66 من هؤلاء حسب نظام التمثيل النسبي، أي أن الناخب هنا يصوت للائحة غير مرتبطة بمنطقة جغرافية أو دائرة محددة، أما ال66 الآخرون، فقد انتخبوا ليمثلوا دوائر محددة، مثلاً القدس أو غزة أو الخليل أو نابلس.

ومن البديهي أن نظام التمثيل النسبي يهمش الاعتبارات الجهوية والمحلية والعشائرية مقابل الاعتبارات الوطنية المرتبطة بالكتلة الانتخابية ككل، أي أن العام يفترض أن يطغى على الخاص في نظام الانتخابات النسبية، دون أن يلغيه بالكامل.  فإذا أخذنا نصف نتائج الانتخابات التشريعية للسلطة الفلسطينية التي أفرزها نظام التمثيل النسبي، سنجد أن حماس حصلت على 29 مقعداً من أصل 66، أي على حوالي 44 بالمئة من المقاعد، أما فتح فقد حصلت على 28 مقعداً من أصل 66، أي على حوالي 42 بالمئة من المقاعد.

أما إذا قسنا نتائج الانتخابات حسب التمثيل النسبي بعدد الأصوات، فسنجد أن حماس حصلت على 440409 صوت من أصل 990873، أي على 44،44 بالمئة من الأصوات، أما فتح فحصلت على 410554 صوت من أصل 990873، أي على 41،43 بالمئة من الأصوات.  وقد حصلت الجبهة الشعبية على 3 مقاعد من أصل 66، أي على 4،5 بالمئة من المقاعد، وكانت قد حصلت الشعبية على 42101 صوت من أصل 990873، أي على 4،2 بالمئة من الأصوات.

ومن الواضح هنا أن وزن حماس يفوق وزن فتح بمعدل ثلاثة بالمئة من الناخبين، وهي أغلبية نسبية، ولكنها ليست أغلبية ساحقة.  ولكن من الواضح أيضاً أن هذه الأغلبية نالتها حماس ضمن الاعتبار الوطني العام، وليس بسبب تشتت فتح، أو بسبب اعتبارات محلية أو عشائرية، وأن هذا يمثل عدم رضا على سلوك فتح سواء في المفاوضات أو في مسألة الفساد في السلطة.

واختلف مع الذين يقولون أن هذه الأصوات الإضافية نالتها حماس بسبب ما يسميه البعض الصحوة الإسلامية.  بل نجد انعكاسات تلك الصحوة داخل فتح نفسها.  ومن صوتوا لفتح لا يقلون إسلاماً عن الذين صوتوا لحماس، كما أن معظم الذين صوتوا لفتح لا يقلون تمسكاً بخيار المقاومة.

ولكن الخلاصة المفيدة هنا هي أن فوز حماس في نصف الانتخابات القائم على التمثيل النسبي يعكس تدهوراً في منزلة فتح الوطنية، ولا يمكن تفسير هذه النتيجة إلا هكذا، ولا تستطيع فتح أن تغير هذه النتيجة إلا بتغيير سلوكها السياسي، أو بالتحالف مع الجبهة الشعبية في الانتخابات المقبلة، أو بالتحالف مع كتلة اليسار التسووي والليبراليين (قائمة البديل والبرغوثي والطريق الثالث) الذين نالوا مجتمعين 6 مقاعد من أصل 66 أو تسعة بالمئة من المقاعد، أو ثمانية بالمئة من الأصوات.  ولكن التحالف مع المجموعة الأخيرة قد يخسر فتح سياسياً أكثر مما يكسبها من الأصوات، كما أنهم يمثلون خليطاً واسعاً قد يصعب إرضاؤه كله، لأن الحصة التي قد تضطر فتح للتنازل عنها لهم لعقد التحالف ستكون كبيرة نسبياً، أكثر مما يجب، ولذلك على الجبهة الشعبية أن تفهم، بالرغم من حصولها على 4،2 بالمئة من الأصوات فقط، أن دورها الانتخابي سيكون مفصلياً في الانتخابات القادمة، ككتلة واحدة منسجمة نسبياً يمكن التفاوض معها انتخابياً بدرجة أسهل، وأن الطريقة التي تلقي فيها وزنها الانتخابي سيقرر ما إذا كانت فتح ستعود أم لا، مع افتراض بقاء وزن حماس بعد وصولها السلطة كما هو، وهو ما لا يمكن افتراضه.

المهم بات مفهوماً أكثر الآن منطق تقرب حماس من الشعبية لتشكيل الحكومة الجديدة، وهو ما يربط الوزن الانتخابي للشعبية في المستقبل بأداء حكومة حماس… سلباً أو إيجاباً.

هذا بالنسبة للانتخابات النسبية التي تعكس حالة الشارع الوطني الفلسطيني بصورة أدق من انتخابات الدوائر التي تدخل فيها الاعتبارات المحلية والعشائرية والشخصية بدرجة أكبر، ولهذا، أزعم أن الاستنتاجات التي ذهبت إليها المقالة أعلاه حول معنى فوز حماس، سياسياً، تعكس الواقع بدرجة كبيرة.  وهو ما يجب أن تتذكره حماس نفسها إذا قررت التراجع عن نهج المقاومة لأي سبب من الأسباب.

أما بالنسبة لانتخابات الدوائر، فلا شك أن نزول عشرات المرشحين الفتحاويين للانتخابات خارج اللوائح كان مسئولاً عن اكتساح حماس للمقاعد في الدوائر بنسبة 45 مقعداً من أصل ال66 مقعداً المخصصة للدوائر، أي بنسبة تزيد عن 68 بالمئة من المقاعد، وحصول فتح على 17 من أصل ال66 المخصصة لمقاعد الدوائر، أي على حوالي 26 بالمئة من المقاعد فقط، وعدم حصول أية جهة أخرى على أي مقعد على الإطلاق من مقاعد الدوائر.

أي أن المقارنة بين نتائج الدوائر ونتائج التمثيل النسبي تظهر الخلل في طريقة خوض فتح للمعركة الانتخابية، والكتلة المتراصة تتغلب دوماً على الكتلة المفككة ولو كانت أكبر، تماماً كما يقطع الماس في الحديد.  ولكن لا يمكن القول بالمطلق أن حماس لم تكن لتنتصر أبداً لو لم ينزل مرشحو فتح خارج اللوائح.  بالمقابل، لم ينشق  مرشحو حماس خارج لوائحهم، وحيثما تحالفت حماس مع مستقلين، تركت عدداً كافياً من المقاعد لهم في تلك الدائرة ولم تنزل أمامهم أي مرشحين، وهو ما حدث في دائرة غزة مثلاً، حيث تشكلت قائمة حماس من خمسة، وعدد المقاعد المخصص للدائرة ثماني، فتحالفت حماس مع ثلاث مستقلين أحدهم مسيحي، ونجحت كل قائمة حماس والمستقلون المتحالفون معها، وخسرت قائمة فتح برمتها، وفصل من دائرة غزة اثنان من الفتحاويين بسبب ترشحهما خارج اللوائح، وما كان عدم نزول هذين ليؤثر شيئاً لأن مجموع أصوات الفتحاويين ضمن اللائحة الرسمية وخارجها معاً ظل يقل كثيراً عن مجموع أصوات الحمساويين وحلفائهم.

كذلك، إذا أخذنا دائرة الخليل مثلاً، التي حصلت فيها حماس على تسع مقاعد من أصل تسعة، والتي نزل فيها اثنا عشر فتحاوياً كمستقلين خارج اللائحة الفتحاوية، فإننا نجد أن حماس كانت ستفوز في تلك الدائرة ولو لم ينزل أي فتحاوي خارج اللائحة الفتحاوية، لأن مجموع أصوات الفتحاويين خارج وضمن اللائحة الفتحاوية يبقى أقل بكثير من مجموع أصوات الحمساويين، فكان من الطبيعي أن يخسر جبريل الرجوب مثلاً في تلك الدائرة، وأن ينال أخوه نايف الرجوب أعلى الأصوات على لائحة حماس…

وفي دائرة طولكرم، حصلت حماس على مقعدين من ثلاثة، وحصل حسن خريشة على الثالث بدعمٍ من حماس، وخسر مرشحو فتح الثلاثة، وخسر مرشحو فتح الثلاثة الآخرون الذين نزلوا كمستقلين خارج اللوائح، ولكن لو جمعنا أصوات حماس وحليفها في طولكرم وقارناها بمجموع أصوات المرشحين الفتحاويين ضمن وخارج اللائحة الفتحاوية، فإننا سنجد أن أصوات حماس وحليفها تبقى أكبر.

وفي دائرة شمال غزة، حصلت حماس على خمس مقاعد من خمسة، وخسر مرشحو فتح الرسميون الخمسة، ومعهم ثلاث فتحاويين نزلوا كمستقلين خارج اللائحة الفتحاوية، ولكن لو جمعنا أصوات الفتحاويين الرسميين والمستقلين لوجدنا أنها تقل كثيراً عن أصوات الحمساويين، أي أن نزول أو عدم نزول الفتحاويين الثلاثة الآخرين ما كان ليؤثر على النتيجة العامة.

وفي دائرة خانيوس أخذت فتح مقعدين من أصل خمسة، وحصلت حماس على ثلاثة، وفصل خمس فتحاويين بسبب نزولهم خارج اللوائح، وحصل محمد الدحلان على أعلى نسبة أصوات في تلك الدائرة، أكثر من مرشحي حماس، وهو الأمر الذي يحتاج إلى تفسير فعلاً على عدة صعد… عندما يخسر مرشحو فتح الباقون!!  ولكن في خان يونس أيضاً، لو جمعنا أصوات الفتحاويين الذين خسروا مع أولئك الذين نجحوا، فإنها تبقى أقل بقليل من أصوات الحمساويين، ولذلك كانت ستحصل حماس على أغلبية فيها بأية حال.

بيد أن التفكك الفتحاوي يعكس أزمة سياسية بدوره، أزمة مشروع سياسي، ما كان من الممكن له أن يصل إلا إلى طريق مسدود.  ومشكلة ذلك المشروع هي بالضبط أنه غير واقعي وغير ممكن لأنه اعتقد أن ثمة طريقاً ثالثاً في فلسطين غير طريق التحرير أو طريق المشروع الصهيوني، وهو ما يجب أن تتذكره حماس والشعبية أيضاً.

إذن لولا تفكك الكتلة الفتحاوية كان من الممكن أن تحصل فتح على مقاعد مساوية لمقاعد فتح في انتخابات الدوائر، أو أكثر قليلاً أو أقل قليلاً، ولكن هل كان من الممكن أن يعيش خط فتح السياسي أزمة كالتي يعيشها اليوم وأن تبقى متراصة؟  هذا هو السؤال الحقيقي.  وإن لم تخرج فتح كتنظيم من براثن تلك الأزمة، بمراجعة جذرية، فإنها ستزداد تفككاً، لا تراصاً، هذا دون الدخول في نظرية المؤامرة حول سبب نزول هذا العدد من الفتحاويين خارج القوائم الرسمية.

على كل حال، لكي لا يكون الحديث في العام، فلنأخذ دوائر انتخابية بعينها. في دائرة رفح، حصلت فتح على ثلاثة مقاعد من أصل ثلاثة بالرغم من نزول فتحاوي رابع  كمستقل خارج اللائحة الفتحاوية، فدائرة رفح ليست مشكلة لفتح هنا.  وكذلك حصدت فتح مقعد دائرة أريحا الوحيد بدون إشكال، وحصدت مقعدي دائرة قلقيلية بالرغم من نزول مرشحين فتحاويين خارج اللوائح.  فهذه إذن دوائر مغلقة لفتح، ولو كانت صغيرة نسبياً.

ولكن بالمقابل توجد دوائر فازت فيها حماس، بأغلبية أو بالكامل، وكان يمكن أن تحصل فيها فتح على مقاعد أكثر لو لم ينزل فيها مرشحون خارج اللوائح الفتحاوية.  فلنأخذ نابلس مثلاً، حيث حصلت حماس على خمسة مقاعد من ستة، وحصلت فتح على مقعد واحد، ولكن في نابلس أيضاً نزل ستة مرشحين فتحاويين خارج اللائحة الفتحاوية، ولو جمعنا أصوات هؤلاء مع أصوات المرشحين الرسميين لفتح، فإننا سنجد أن أصوات الفتحاويين تزيد عن أصوات الحمساويين بقليل، فكان يمكن أن تحصل فتح هناك على ثلاث أو أربعة مقاعد بدلاً من واحد لو وحدت صفوفها.

وفي دائرة رام الله والبيرة، حصلت حماس على أربعة مقاعد من أصل خمسة، وحصلت فتح على المقعد الخامس.  ولكن نزل اثنا عشر مرشحاً فتحاوياً خارج اللائحة الرسمية للحركة، فلو جمعنا أصوات هؤلاء مع أصوات المرشحين الرسميين لفتح، لوجدنا تقارباً شديداً يكاد يصل لحد التساوي بين أصوات الفتحاويين وأصوات الحمساويين، مع فارق بسيط لمصلحة فتح، فقد كان يمكن أن تحصل فتح على مقعدين أو ثلاثة في دائرة رام الله والبيرة، مع أن تصويت نسبة لا بأس بها من المسيحيين لمصلحة حماس في تلك الدائرة واضحٌ أيضاً.

وفي دائرة دير البلح في قطاع غزة، حصلت حماس على مقعدين، وفتح على مقعد واحد، من أصل ثلاثة، وكان قد نزل فتحاويان خارج القائمة الرسمية لفتح، فلو جمعنا أصوات هؤلاء مع أصوات المرشحين الرسميين لحركة فتح لوجدنا تقارباً شديداً لأصوات فتح وحماس، مع فارقٍ بسيطٍ ببضع عشرات الأصوات لمصلحة حماس.  فعلى الأرجح كانت النتيجة هناك ستبقى كما هي الآن.

بيد أن هناك دوائر أخرى كان من المؤكد أن فتح كانت، كما يقال في العامية، “ستطوبها” بالكامل لو يحدث تشتت في أصواتها.  مثلاً، في دائرة بيت لحم، حصلت حماس على مقعدين وفتح على مقعدين من أصل أربعة (بالكوتا المسيحية)، وكان قد ترشح هناك أربعة فتحاويين خارج اللائحة الرسمية، فلو جمعنا أصوات هؤلاء مع أصوات المرشحين الرسميين لفتح، فإن أصوات الفتحاويين كانت ستفوق أصوات الحمساويين بكثير.  فهنا كان يمكن أن تحصل فتح على مقعدين إضافيين.

وكذلك الأمر بالنسبة للمقعد الوحيد لدائرة سلفيت، والمقعد الوحيد لدائرة طوباس، حيث يزيد عدد أصوات المرشحين الرسميين وغير الرسميين لفتح عن أصوات المرشح الحمساوي الذي فاز في الحالتين.  فهنا كان يمكن أن تحصل فتح على مقعدين إضافيين.

وكذلك الأمر في دائرة القدس، حيث حصلت حماس على أربعة مقاعد من ستة، وفتح على اثنين (بالكوتا المسيحية)، وكان قد ترشح حوالي أربعة عشر مرشحاً فتحاوياً خارج اللائحة الرسمية، فلو جمعنا أصوات هؤلاء مع أصوات المرشحين الرسميين، الذين فازوا والذين خسروا، فإن مجموع الأصوات الفتحاوية كان سيفوق اصوات حماس بكثير، فهنا كان يمكن أن تحصد فتح بضعة مقاعد إضافية.

وفي دائرة جنين، حصلت حماس على مقعدين وفتح على مقعدين من أصل أربعة، وترشح ستة فتحاويين خارج القائمة الرسمية للحركة، فلو جمعنا أصوات هؤلاء مع أصوات الذين فازوا أو خسروا في القائمة الرسمية، فإن مجموع أصوات الفتحاويين في جنين كان سيفوق مجموع أصوات الحمساويين بكثير، فربما كانت تستطيع فتح أن تحصل على مقعد أو مقعدين إضافيين هنا.

ومن الواضح أن الأصوات التي يحصل عليها المرشحون في المناطق، سواء كانوا فتحاويين أو حمساويين أو يساريين أو ليبراليين تعتمد عليهم كأفراد، وعلى علاقاتهم وتحالفاتهم العشائرية وغير العشائرية، ولكن إذا افترضنا بقاء هذا العامل ثابتاً، كما يقال في التجارب العلمية، فإن فتح كان يمكن أن تحصد ما بين اثني عشر إلى خمسة عشر مقعداً إضافياً في انتخابات التشريعي الأخيرة، مما كان سيضعها على قدم المساواة مع حماس ربما، أو أقل بمقعد أو مقعدين، أو أكثر بمقعد أو مقعدين، بعد أخذ العوامل الشخصية والعشائرية والمحلية بعين الاعتبار في حالة كل مرشح على حدة.  ولعل تلك النتيجة كانت ستكون أفضل لحماس نفسها على المدى البعيد… وللشعب الفلسطيني، بعد أن أعطت تلك الانتخابات شيئاً من المشروعية لاتفاقيات “السلام”…

ولكن يبقى أن نتائج الانتخابات المعتمدة على التمثيل النسبي هي المعبر الأصدق عن نفس الشارع، وفي ذلك المضمار، لا شك أن حماس حققت تفوقاً نسبياً على فتح، ولكن الفجوة بينهما في الواقع ليست بنفس مقدار الفجوة القائمة بينهما في الانتخابات المعتمدة على الدوائر.

الموضوعات المرتبطة

طلقة تـنوير 92: غزة وقضية فلسطين: أين مشروعنا؟

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 آذار 2024     محتويات العدد:    قراءة في أزمة العمل الوطني الفلسطيني / إبراهيم علوش    غزة: المعركة التي رسمت معالم المستقبل / [...]

طلقة تـنوير 91: الرواية الفلسطينية تنتصر/ نحو حركة شعبية عربية منظمة

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 كانون الثاني 2024        محور انتصار الرواية الفلسطينية في الصراع: - جيل طوفان الأقصى/ نسرين عصام الصغير - استهداف الصحفيين في غزة، [...]

طلــقــة تــنويــر 90: ما بعد الطوفان عربياً

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 تشرين الثاني 2023 - الطوفان المقدس: غرب كاذب عاجز، ومقاومة منتصرة / كريمة الروبي   - بين حرب السويس وطوفان الأقصى / بشار شخاترة   - طوفانٌ يعمّ من [...]

طلــقــة تــنويــر 89: الهوية العربية في الميزان

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 تشرين الأول 2023 محتويات العدد:   - مكانة الهوُية بين الثقافة والعقيدة: قراءة نظرية / إبراهيم علوش   - الهوية العربية بين الواقع والتحديات / ميادة [...]

هل القومية فكرة أوروبية مستوردة؟

  إبراهيم علوش – طلقة تنوير 88   تشيع جهالةٌ في خطاب بعض الذين لا يعرفون التراث العربي-الإسلامي حق المعرفة مفادها أن الفكرة القومية عموماً، والقومية العربية خصوصاً، ذات مصدر أوروبي مستحدث [...]
2024 الصوت العربي الحر.