جديد التصريحات الأمريكية حول تسليح العصابات المسلحة في سورية ومنطقة حظر الطيران عبر الأردن

June 14th 2013 | كتبها

 

 

 

لا يأت القرار الأمريكي المعلن بتسليح العصابات المسلحة في سورية بجديد إلا بالشكل، وليس بالمضمون، فالتسليح والتمويل والتدريب والدعم الاستخباري والغطاء السياسي والإعلامي الأمريكي  للعصابات المسلحة مستمرٌ على قدم وساق منذ ما قبل انطلاق الفورة السورية، وكان يتم إما مباشرة أو عبر الحلفاء، كما وثقت مثلاً صحيفة النيويورك تايمز في تقريرها المنشور في 21/6/2012 عن إشراف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على شبكة تهريب الأسلحة، المشتراة عبر الحلفاء، إلى سورية عن طريق جنوب تركيا.

 

الجديد حقاً، والذي يستحق الالتفات له، والذي لا نستطيع أن نقول أنه مفاجئ مئة بالمئة أيضاً، هو تصريح مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بأن طائرات أف-16 وصواريخ الباتريوت سوف تبقى في الأردن بعد انتهاء مناورات “الأسد المتأهب” التي أصر النظام الأردني أنها ليست موجهة ضد سورية! 

 

وقد ترافق ذلك التصريح مع تقرير لصحيفة الوول ستريت جورنال الأمريكية البارحة، أي في 13/6/2013، أن المسؤولين الأمريكيين يتداولون خيار فرض منطقة حظر جوي فوق جنوب سورية، تمتد 40 كيلومتراً داخل الأجواء السورية، ولن تكون مثل تلك المنطقة بحاجة لتفويض من مجلس الأمن، حيث أن الطائرات الأمريكية لن تدخل الأجواء السورية، ولن تدخل القوات الأمريكية الأراضي السورية، لكن الصواريخ والطائرات الأمريكية المحلقة فوق شمال الأردن سوف تستخدم لمنع الطيران السوري من دخول منطقة حظر الطيران التي ستأوي قوات العصابات المسلحة، واللاجئين، حسبما ذهب إليه التقرير.

 

الفكرة طبعاً هي أن الطائرات الأمريكية ستهاجم الطائرات السورية من الأجواء الأردنية، فإذا اطلقت الدفاعات الجوية السورية صواريخ أرض-جو لإسقاط الطائرات الأمريكية، فإن الباتريوت سيكون لها بالمرصاد، وهو ما يتيح قضم منطقة تصبح موطئ قدم للعصابات المسلحة.  وسيتم ذلك دونما حاجة لتفويض من مجلس الأمن، حيث ينتظر الفيتو الروسي والصيني، لأن الطائرات والقوات الأمريكية لن تدخل الأجواء والأراضي السورية، والتتمة المنطقية أن قصف دولة ذات سيادة مثل سورية من خارج أراضيها لن تستطيع روسيا والصين أن توقفه عبر مجلس الأمن لأن الفيتو الأمريكي والبريطاني والفرنسي سينتظره.

 

التصريحات والتسريبات الأمريكية الجديدة، بغض النظر عن مدى جديتها، تمثل تصعيداً بالطبع، وهدفها المباشر هو حفظ ماء وجه أوباما قبيل اللقاء المرتقب بينه وبين بوتين في إيرلندا يومي 28 و29 من الشهر الجاري على هامش “قمة الثمانية”، بعد التقدم الميداني الكبير الذي باشر الجيش العربي السوري بتحقيقه مما جعل نتائج قمة جنيف 2 واضحة مسبقاً بطريقة لا يمكن معها تمويه الهزيمة الأمريكية في سورية.

 

لكن أي تهديد لا يكون تهديداً مقنعاً إذا لم يتضمن شيئاً من المصداقية.  وفكرة مناطق حظر الطيران تؤسس للتفكيك، تماماً كما حدث في العراق، كما أنها تصبح بحد ذاتها ورقة على طاولة المفاوضات، سواء تم تنفيذها أم لا.

 

الآن أمام الروس خياران لا ثالث لهما رداً على التصعيد الأمريكي: إما التراجع والقبول ببعض شروط الولايات المتحدة في سورية، وإما الرد بتصعيد مقابل مثل التلويح بإعطاء سورية صواريخ تتجاوز الباتريوت إذا ما حاولت الولايات المتحدة فرض منطقة حظر طيران. 

 

بالحالتين، الولايات المتحدة تريد في سورية إما تسوية أو حلاً سياسياً بشروطها، أو استمرار التصعيد، ولكن فلنلاحظ هنا أن فكرة الحظر الجوي جاءت من البوابة الجنوبية، عبر الأردن، لا من البوابة الشمالية، عبر تركيا، مع أن تركيا عضو في حلف الناتو.

 

فما يجري يؤكد أن الأردن الرسمي لا يملك قراره، وأنه حجر شطرنج على الرقعة الإقليمية يتوارثه المستعمر الغربي، أمريكا عن بريطانيا، فلا يؤخذ بعين الاعتبار رأي مواطنيه بسياساته الخارجية، التي تمثل في الواقع تطبيقات إقليمية للسياسات الغربية حسب الحاجة، إلا بمقدار ما فرض صعود التيار القومي إقليمياً في الخمسينيات والستينيات، وانعكاساته الشعبية الأردنية، قيوداً وضوابط على مثل ذلك الدور الرسمي الأردني في الإقليم. 

 

فإذا اتخذت المفاوضات الأمريكية-الروسية خطاً تصعيدياً، فإن الأردن الشعبي هو من سيدفع الثمن من امنه وقوته واقتصاده وحياته.  وهو ما يزيد أهمية معركة سورية بالنسبة للأردن الشعبي، فالأردن، كما فلسطين ولبنان، ليست الدول المركزية في إقليم بلاد الشام، بل سورية، وإنما هي أقاليم طرفية، وبالتالي فإن حسم معركة سورية هو ما سيحسم معركة بلاد الشام وغيرها. 

 

 

 

إبراهيم علوش

 

للمشاركة على الفيسبوك:

 

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=671556752861563&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=1

  

الموضوعات المرتبطة

قراءة في قواعد الصراع على جبهة “إسرائيل” الشمالية

  إبراهيم علوش – الميادين نت ربما يظن بعض الذين ولدوا في العقدين أو العقود الثلاثة الفائتة أن الخطاب الذي يسوَّق ضد حزب الله في لبنان محلياً وعربياً، وخصوصاً منذ حرب صيف 2006، جديدُ المفردات [...]

الممر البحري بين قبرص وغزة وآباؤه الكثر

إبراهيم علوش- الميادين نت جرى تبني الممر البحري من قبرص إلى غزة رسمياً، والرصيف المؤقت والطريق الفولاذي العائم اللذين سيشيدهما الجيش الأمريكي خلال شهرين، في بيان مشترك نُشر في موقع [...]

عواصف البحرين الأحمر والعربي في سياق الصراع الدولي

  إبراهيم علوش – الميادين نت على الرغم من تأكيد صنعاء مراراً وتكراراً، في مستهل دخولها على خط نصرة غزة، أنها لا تستهدف سوى السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني، ملكيةً أو وجهةً، فإن واشنطن، في [...]

قضية للنقاش في هوامش الخطاب الإعلامي المقاوم

  إبراهيم علوش – الميادين نت حقق الخطابُ المقاومُ، في مختلف تنويعاته، اختراقاتٍ حقيقيةً بموازاة عملية "طوفان الأقصى" التي شكلت رافعة مادية له، وشكل بدوره غطاءً وامتداداً إعلاميين لها، [...]

القرار الأولي لمحكمة العدل الدولية بشأن غزة في ميزان الصراع

  إبراهيم علوش – الميادين نت   كان من المفهوم تماماً أن ينفعل البعض تحمساً لرفع جنوب إفريقيا قضية ضد الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية تتهمه فيها بممارسة الإبادة الجماعية في غزة، [...]
2024 الصوت العربي الحر.